ياسر أيوب يكتب: من هو صاحب هذا المال؟

وسط انشغال الجميع بأحوال أمنية وسياسية مقلقة فى مصر الآن.. يبقى الجمهور الرياضى مهموما بالصراع على قمة مسابقة الكرة.. والنتيجة الطبيعية لذلك ألا يهتم أحد بلاعبى فريق كرة اليد بشركة الإسكندرية للبترول الذين قاموا بتحرير محضر ضد الشركة لأنهم لم يتقاضوا رواتبهم كاملة منذ ثلاثة أشهر، ويطالبون وزير البترول بالتدخل لصرف مستحقاتهم..

ولست هنا أدين اللاعبين أو أبرر سلوكهم أو أضغط على شركة أو وزير.. وإنما أتساءل فقط: لماذا تملك شركة الإسكندرية للبترول أصلا فريقا لكرة اليد؟.. أو شركة النصر للبترول أيضا التى يشكو لاعبوها عدم صرف مستحقاتهم.. أو شركة مصر للبترول؟.. ولماذا تملك وزارة الإنتاج الحربى فريقاً لتنس الطاولة فوجئ لاعبوه بتهديد مسؤولى الفريق بخصم معظم مستحقاتهم إن لم يوقعوا عقودا جديدة؟..

ولماذا تملك الداخلية والشرطة والجيش وبتروجيت فرقاً للكرة الطائرة.. وهيئات وشركات أخرى تنافس فى مسابقات لعبات أخرى؟.. وقد قيل لنا سابقا إنهم يلعبون الكرة للدعاية ويبيعون اللاعبين المميزين فتأتى الأرباح.. ولم تأت الدعاية ولا جاءت أى أرباح.. فهل بقية اللعبات فى مصر ستحقق ما فشلت فيه الكرة من دعاية ومكاسب.. أم سيقال لنا الآن إن هذه الهيئات والشركات تعمل على تقوية القاعدة الرياضية المصرية فى الألعاب الشهيدة التى لا يهتم بها أحد؟..

ولكن هذا الهدف النبيل كان من الممكن تحقيقه برعاية فرق حقيقية للناس بدلا من إنشاء فرق جديدة تنافس أندية الناس الحقيقية.. والأهم من ذلك أن ينتبه الجميع للخطأ الذى يقعون فيه حين يختصرون قضية أندية الهيئات والشركات فقط فى المادة ١٨، والأندية التى تلعب فى الدورى الممتاز للكرة.. بينما كل ذلك مجرد قمة جبل جليد يتمدد كله تحت الماء لا يراه العابرون فى مراكبهم الطافية فوق الماء.. ففى الدرجات الأقل فى دورى الكرة نكتشف حجم الإنفاق الحكومى الضخم دون داع أو ضرورة..

ففى دورى المظاليم قررت شركة تليفونات بنى سويف صرف مكافآت مالية ضخمة للاعبى فرق المسابقة ليبذلوا كل جهد ممكن حتى لا يخسروا أمام فريق شركة بترول أسيوط حيث تتنافس الشركتان على الصعود للممتاز.. وليس هذا اجتهاداً شخصياً منى وإنما تضمنه اتهام رسمى تقدم به حسين عبداللطيف، مدرب بترول أسيوط، للجنة المسابقات واتحاد الكرة.. ولن أتوقف عند ما جاء فى شكوى المدرب والتأثير على الحكام والتواجد فى غرفهم قبل المباراة.. لكننى أتوقف عند هذا المال الذى يتم صرفه كحافز إجادة وانتصار للاعبى الفرق الأخرى لو كان الاتهام صحيحاً.. ومن هو صاحب هذا المال فى حقيقة الأمر: شركة التليفونات أم المصريون جميعهم وأهل بنى سويف الفقراء فى مقدمتهم؟..

أما شركة الرباط والأنوار فى بورسعيد التى هى فى الأصل إحدى شركات هيئة قناة السويس.. ويواصل عمالها الإضراب غضباً واحتجاجاً منذ مارس الماضى.. فقد شهدت انفجار رئيس النقابة العمالية بالشركة غيظا بعد هزيمة فريق الشركة من الداخلية بستة أهداف نظيفة ستهبط بها للدرجة الثانية.. وقال رئيس النقابة إنه لابد من تحويل النادى إلى ناد رياضى اجتماعى لمصلحة موظفى وعمال الشركة بدلا من فريق الكرة الذى يدفع سنويا أكثر من ثلاثة ملايين رواتب للاعبى الكرة ومدربيهم.. وعشرات الحكايات الأخرى التى أثق أن أحداً من جمهور الكرة لم يسمع بها من قبل..

ولم يلتفت إليها الإعلام أبداً سواء كان إعلاماً رياضياً مهموماً بكرة القدم أو إعلاماً سياسياً واجتماعياً مهموماً بالمال العام وحقوق الناس ومعاناتهم.. وأنا الآن أناشد كل وزير أو رئيس أى هيئة أو شركة الالتفات إلى هذا الإهدار الفادح والفاضح فى المال العام.. فلم تعد الظروف الاقتصادية والإنسانية تسمح بدوام هذا العبث.. وأتمنى أن يتصدى وزير الداخلية لنوايا بعض ضباطه لتغيير اسم نادى الداخلية الذى تأكد صعوده للممتاز حتى لا يتعارض مع نادى الشرطة فى حال تطبيق المادة ١٨، فالشرطة الآن لا تحتمل فقدان ثقة الناس واحترامهم لبعض قياداتها وضباطها.